مجلة التدريب
www.Moias.org
علم التعلم الناجح
علم التعلم الناجح
كتاب اليوم
أضيف بواسطة RAWAN

يبدأ الكتاب بفكرة جوهرية يُصرّ عليها المؤلفون: معظم الناس يظنون أنهم يعرفون كيف يتعلمون، لكن الحقيقة أن أساليب التعلم المنتشرة ليست فعّالة كما تبدو. فالكثير يعتمد على إعادة قراءة الدروس، أو تظليل الجمل المهمة، أو المذاكرة المتواصلة لساعات دون توقف، ويظنون أن هذا جهد كافٍ. لكن العلم يكشف أن هذه الطرق تمنح شعورًا زائفًا بالفهم، وأن ما يبدو سهلاً أثناء الدراسة سرعان ما يتبخر عند أول اختبار أو موقف عملي. التعلم الحقيقي – كما يقول الكتاب – ليس سهلاً، بل يتطلب نوعًا من الجهد والصعوبة التي تجعل المعلومة تنطبع في الذاكرة.

 

منذ الصفحات الأولى يوضح المؤلفون أن الذاكرة ليست مخزنًا ثابتًا تحفظ فيه المعلومات كما هي، بل عملية حية تتحرك وتتغير وتتقوى كلما استخدمها الإنسان. في الفصل الأول يعرض الكتاب حكايات واقعية لأشخاص كانوا يظنون أن قدرتهم على الحفظ ضعيفة، ثم اكتشفوا، بعد تغيير أسلوبهم، أن المشكلة ليست في قدراتهم بل في الطريقة التي يتعلمون بها. فالذاكرة تصبح أقوى كلما استعملناها، وكلما حاولنا جاهدين استرجاع المعلومات من دون النظر إليها. ولهذا يقول الكتاب في أحد اقتباساته: “التعلّم يصبح أعمق وأطول حين يتطلب جهدًا.”

هذا يعني أن الاسترجاع الصعب أفضل بكثير من الفهم السريع والمؤقت، حتى لو كان هذا الفهم يبدو مثاليًا لحظتها.

 

في الفصل الثاني ينتقل المؤلفون إلى فكرة جوهرية: أن الاسترجاع هو التعلّم نفسه. فبدل أن يقرأ الطالب الدرس عشر مرات، يكفي أن يختبر نفسه مرة أو مرتين بطريقة جادة، لأن السؤال الصعب يجعل الدماغ يبحث ويعيد بناء المعلومات. عندما نحاول أن نتذكر معلومة نسيناها جزئيًا، فإن عملية البحث نفسها تقوي الروابط داخل الدماغ وتزيد من رسوخ المعلومة. ولذلك يشدد الكتاب على أن الاختبارات ليست أداة لقياس الدرجات فقط، بل وسيلة لبناء المعرفة وتعزيزها. ويقول الكتاب في هذا السياق: “الاسترجاع المرهق يقوي الذاكرة”.

 

في الفصل الثالث يتحدث المؤلفون عن أسلوب مهم يدعو إلى خلط الموضوعات أثناء الدراسة بدلاً من تخصيص ساعات طويلة لموضوع واحد. فعندما يدرس الطالب دروسًا مختلفة في جلسة واحدة، أو يحل مسائل متنوعة بدل تكرار نفس النوع، فإنه يتعلم التمييز بين الأفكار ويكتسب قدرة على الاختيار والتطبيق. هذا الخلط قد يبدو مربكًا في البداية، لكنه يولّد تعلّمًا عميقًا ويجعل الدماغ قادرًا على مواجهة مواقف جديدة وليس فقط تكرار ما رآه سابقًا.

 

ثم يأتي الفصل الرابع ليؤكد أن الصعوبات ليست عائقًا أمام التعلم، بل جزءًا أساسيًا منه. يسميها المؤلفون الصعوبات المرغوبة، لأنها ترفع جودة التعلم وتجعله يدوم. عندما ينتظر الشخص يومًا أو يومين قبل مراجعة الدرس، أو يدرس في مكان مختلف، أو يواجه نوعاً جديداً من الأسئلة، فإنه يضع نفسه في تحدٍّ مفيد. هذه التحديات تربك الدماغ قليلاً، لكنها في الوقت نفسه تجبره على بذل جهد، والجهد هو مفتاح الفهم العميق. ويختصر الكتاب هذه الفكرة بقولٍ دقيق: “حين يكون التعلّم سهلاً، يكون غالبًا سطحيًا.”

 

أما الفصل الخامس فيسلّط الضوء على مشكلة يقع فيها الجميع: وهم الفهم. كثيرون يظنون أنهم فهموا الدرس فقط لأنهم أعادوا قراءته أكثر من مرة، أو لأن الكلمات أصبحت مألوفة لهم. لكن الألفة ليست فهمًا. ما لم تستطع شرح الفكرة لنفسك أو لشخص آخر من دون النظر إلى الورق، فأنت لم تفهمها حقًا. هذا الوهم يتسبّب في نتائج ضعيفة لأن الطالب يكتشف فجأة أنه لا يستطيع التذكر رغم أنه كان “مرتاحًا” أثناء المذاكرة. الحل الذي يقترحه الكتاب بسيط لكنه قوي: حاول أن تشرح ما تعلمته بكلماتك، أو اسأل نفسك أسئلة صعبة، أو أعد صياغة الدرس من الذاكرة. فالمعرفة التي لا يمكن استرجاعها ليست معرفة.

 

في الفصل السادس يقدّم الكتاب خلاصة عملية لأساليب التعلّم التي أثبتها العلم. التعلّم الفعّال يقوم على ثلاث ركائز: الاسترجاع المتكرر، التباعد الزمني بين جلسات المذاكرة، وخلط أساليب التطبيق. هذه الطرق قد تبدو أصعب وأبطأ، لكنها تخلق معرفة مستقرة لا تزول سريعًا. وفي المقابل، يحذّر الكتاب من الطرق السهلة التي نتعود عليها مثل النسخ، المراجعة السريعة، التظليل، أو الحفظ الميكانيكي. قد تبدو هذه الطرق مريحة، لكنها لا تبني معرفة يمكن الاعتماد عليها.

 

ويختتم الكتاب فصوله بفكرة مشرقة: التعلّم مهارة، وليس موهبة يولد بها الإنسان. في الفصل السابع يشرح المؤلفون أن الإنسان قادر على تطوير قدراته مهما كان مستواه، وأن الفشل ليس علامة على الضعف، بل جزء من الطريق. الشخص الذي يواجه الصعوبات ويتعلم منها، ويعيد المحاولة، ويبذل جهدًا حقيقيًا، يصبح مع الوقت أكثر قدرة وذكاء وخبرة. أما الشخص الذي يبحث عن الطرق السهلة، فيبقى في مستوى ثابت. يؤكد الكتاب أن العقل ينمو بالتحديات، وأن الممارسة الذكية يمكنها أن تغيّر أداء أي شخص.

 

في النهاية، يلخص الكتاب رسالته الكبرى: ما يُتعبك اليوم هو ما سيبقى معك غدًا. التعلم الذي يأتي بسهولة يختفي بسهولة، أما التعلم الذي يجبرك على التفكير والمقاومة والاسترجاع، فهو الذي يترسخ حقًا. ولهذا يصرّ الكتاب على أن السعي وراء السهولة خطأ، وأن أفضل الطرق هي التي تبدو أصعب في البداية، لكنها تمنحك أقوى النتائج.

 

هذا الكتاب ليس مجرد نصائح، بل يقدم طريقة جديدة للنظر إلى التعلم. فهو يقول لك بوضوح:

لا تبحث عن الراحة أثناء الدراسة، بل ابحث عن الفهم الحقيقي، والفهم لا يأتي إلا بالجهد

 

المشاهدات 21   تاريخ الإضافة 2025/11/17   آخر تحديث 2025/11/17 - 00:17   رقم المحتوى 1586
أخبار مشابهة
تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 207 الشهر 46262 الكلي 2091434
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/17 توقيت الكويت
تصميم وتطوير