مجلة التدريب
www.Moias.org
العقد الاجتماعي
العقد الاجتماعي
كتاب اليوم
أضيف بواسطة RAWAN

ُعدّ كتاب العقد الاجتماعي للفيلسوف السويسري جان جاك روسو من أبرز المؤلفات الفكرية في عصر التنوير، حتى أنه اعتُبر مرجعًا فكريًا للثورة الفرنسية. فبعد انهيار الشرعية الدينية كأساس للحكم، برزت الحاجة إلى إيجاد ميثاق جديد يضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

ينطلق روسو من مقولته الشهيرة: “ولد الإنسان حرًا، وهو في كل مكان مكبّل بالأغلال”. ويقوم مذهبه على فكرة أن الإنسان خَيّر بطبعه، يميل إلى العدل والنظام، لكن المجتمع هو الذي يفسده ويقيده، فيسلبه حريته الطبيعية. وهنا يطرح روسو سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للإنسان أن يستعيد حريته داخل المجتمع؟

يقدّم روسو فكرة العقد الاجتماعي كحلٍّ ينشئ مجتمعًا عادلًا يقوم على موافقة الأفراد ومشاركتهم في صنع القرار.

 

من الحرية الطبيعية إلى الحرية المدنية

تبدأ نظرية روسو من حالة الطبيعة، وهي مرحلة افتراضية كان فيها الناس أحرارًا ومتساوين، لكنهم عانوا من الخطر وانعدام الأمن. لم يكن خروج الإنسان من هذه الحالة صدفة، بل جاء من حاجته إلى الأمان والاستقرار.

ويرى روسو أن الإنسان لا يتنازل عن حريته إلا لتحقيق مصلحته الذاتية، وأن التخلي عن الحرية يعني التخلي عن إنسانيته وحقوقه الأساسية.

العقد الاجتماعي إذن هو اتفاق طوعي وواعٍ، يتخلى فيه الأفراد عن حريتهم الطبيعية الأنانية لصالح الإرادة العامة، أي إرادة المجتمع ككل، مقابل الحصول على الحرية المدنية والأمن والنظام.

في هذا التحول من الطبيعة إلى المجتمع، تحل العدالة محل الغريزة، وتصبح أفعال الإنسان أخلاقية.

وفي الحالة المدنية، يكتسب الإنسان أيضًا الحرية الأخلاقية التي تجعله سيد نفسه، لأن طاعة القانون الذي نضعه لأنفسنا هي شكل من أشكال الحرية.

ويخلص روسو إلى أن السيادة الحقيقية للشعب، وأن الحكومة ليست سوى مفوَّضة لتمثيله وتنفيذ إرادته.

 

الإرادة العامة وسيادة الشعب

الغاية من العقد الاجتماعي هي صون حقوق كل فرد. لذلك يرى روسو أن المجتمع يجب أن يقوم على اتفاق يتنازل فيه كل إنسان عن حقوقه الفردية لصالح المجتمع ككل.

فمن يريد أن يكون مواطنًا بحق، عليه أن يضع نفسه وكل سلطته تحت تصرف الإرادة العامة.

ويؤكد روسو أن الإرادة العامة لا تخطئ، لأنها تسعى دائمًا إلى المصلحة المشتركة، فهي إرادة صادقة وصالحة بطبيعتها.

وبموجب هذا العقد، يصبح الشعب مصدر السيادة الوحيد، بينما تكون الحكومة مجرد وكيل عنه، لا سلطة فوقه.

وينتج عن ذلك مبدأ مهم: بما أن المواطنين جميعًا قبلوا القوانين بإرادتهم، فإن خضوعهم لها يعني خضوعهم لأنفسهم، ولهذا لا يمكن اعتبار أي قانون ظالمًا بحق أحد، لأن القاعدة تقول: “لا ظلم في ما يُرضي الإنسان”.

بهذا التنازل المتبادل تتحقق المساواة الأخلاقية والقانونية بين الجميع، رغم اختلافهم في القوة أو الذكاء.

 

نقد النظرية وأثرها المستمر

يعتقد روسو أن الهدف من أي نظام سياسي أو اجتماعي هو حماية حقوق الأفراد، لكنه يعترف بأن تطبيق هذه الفكرة يواجه صعوبات، خصوصًا حين تتغلب إرادة الأغلبية على الأقلية لضمان حرية الجميع.

وقد تعرّضت نظرية العقد الاجتماعي لانتقادات عديدة؛ فمثلاً رأى برتراند راسل أن هذا العقد ليس حقيقيًا لأن الإنسان لم يختر يومًا بين الدولة والطبيعة، بينما قال موراي روثبارد إن الدول نشأت من الغزو والاستغلال لا من عقد طوعي.

ومع ذلك، يبقى كتاب العقد الاجتماعي من الركائز الأساسية للفكر السياسي الحديث، إذ ساهمت أفكار روسو في تشكيل مفهوم الديمقراطية وفي إلهام التحولات الفكرية الكبرى في أوروبا خلال عصر التنوير.

 

 

 

المشاهدات 7   تاريخ الإضافة 2025/11/06   آخر تحديث 2025/11/06 - 07:28   رقم المحتوى 1572
أخبار مشابهة
تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 542 الشهر 15580 الكلي 2060752
الوقت الآن
الخميس 2025/11/6 توقيت الكويت
تصميم وتطوير