تقنية القناع |
التدريب |
أضيف بواسطة sa |
اعداد أ. دلال فراج المطيري شاع في الشعر المعاصر تقنيات حديثة لجأ إليها الشعراء لتطوير بنية القصيدة وإضفاء نوعًا من الحداثة ينقذها من حالة الجمود والرتابة والطابع الغنائي، ومن هذه التقنيات استخدام القناع في القصيدة وفي هذه المقالة نحاول أن نلقي الضوء على مفهوم القناع وأنماطه و دوافع استخدامه مع تطبيق هذه التقنية في قصيدة (هموم أيوب) لشاذل طاقة «وهو شاعر عراقي، من مؤسسي مدرسة الشعر العربي الحديث (الشعر الحر)، مع السياب ونازك والبياتي قال عنه بدر شاكر السياب «شاذل شاعر كبير أضاعه بقاؤه في الموصل». مفهوم القناع القناع لغة هو «ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها» وهو في الاصطلاح الأدبي «لفظ يستعمل للدلالة على شخصية المتكلم أو الراوي في العمل الأدبي ويكون في أغلب الأحيان هو المؤلف نفسه»، فالمبدع من خلال القناع يستخدم شخصية مختلفة لكنه يرى فيها ملمحًا من ملامح شخصيته وبعد من أبعاد تجربته، فيتفاعل معها ويصهر ذاته خلالها مما يثري العمل الإبداعي. دوافع استخدامه القناع تقنية أدبية تمنح الشاعر قدرًا من الحرية ليعبر عن آرائه و أفكاره دون خوف أو تردد، فالشاعر في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي تطغى عليها صفة الاستبداد والظلم وجد في القناع وسيلة يختبأ وراءها ليبتعد عن التصريح او المباشرة التي قد تعود عليه بألوان من الأذى و الاضطهاد، كما أن للقناع ميزة فنية «فهو ينقل القصيدة من إيقاعها الغنائي البسيط إلى إيقاعٍ درامي يعتمد على صراع النفس مع الواقع».
أنماط القناع يأتي القناع في شعر شاذل طاقة على شكلين : القناع البسيط والقناع المركب.فالقناع البسيط يعتمد فيه الشاعر على شخصية رمزية واحدة يسقط من خلالها تجربته و آلامه كما في قصيدة (هموم أيوب) وهي مناط هذه الدراسة، أما القناع المركب ففيه يلجأ الشاعر إلى أكثر من شخصية في تجربة شعرية واحدة مثل قصيدة (ضائعون وغرباء). وتجدر الاشارة إلى الاختلاف بين قصيدة القناع و قصيدة استدعاء الشخصيات، ففي قصائد القناع نوع من التفاعل والانصهار بين الشاعر والشخصية فلا نستطيع أن نحدد إذا ما كان الصوت المسموع صوت الشاعر أم الشخصية. توظيف القناع في قصيدة (هموم أيوب) لقد عانى شاذل طاقة من انتكاسة صحية قاسية، فبحث عن شخصية يجسد من خلالها ولادة الأمل من أقسى لحظات اليأس، ووجد ضالته في شخصية النبي أيوب فتقنع بها قائلأ:
-1 قلبي يخذلني ما عاد يطاوعني.. يبست شفتي ولساني يهزل.. ينزف.. لكن يرفض أن يمضي يعصر أخر قطرة.. آفاق عنينْ لكن الاغصان المصفرة لم تورق ْ استحلفكن بقدس العشق.. مر بنا متعب غريبٌ.. وغنًى.. «والتي لم أحبّ سواها.. مضت دون اكتراث.. كأننا ما عشقنا». -6 أيوب.. أيا أيوب.. الابوابُ الكانت موصدة تُوشك أن تنشق.. وينهمرُ
يتضح القناع في المقطعين الاول والثاني فعبر الشاعر من خلال أيوب عن آلامه ومرضه بما يناسب الدلالة التراثية للشخصية لكن هذا القناع «ما يلبث أن يسقط في المقطع الثالث كليا، فالشاعر غادر قناعه الذي عبر فيه عن اوجاعه وألامه الشخصية ليعبر عم هم أكبر وهو هم أرضه المسروقة فلسطين». فمحنة أيوب قد انتهت بخلاص لكن محنة الشاعر و أمته ما زالت موجودة مع الأمل و التفاؤل بزوالها عن قريب. فأيوب في المقطع الثالث له دلالة معاصرة مختلفة عن دلالته التراثية في المقطعين السابقين فهو «رمز للعربي الذي امتحن ببلاء أشد من بلاء الجسد وهو ترك الوطن وتمزقه». فهذه القصيدة شأنها شأن كل قصائد شاذل تحمل بعد سياسيًا و قوميًا فتظهر فيها الإشارة إلى ما حدث في 1967 من استوطان فلسطين وطرد أهلها منها. وتتضح لنا قدرة الشاعر الفنية و مهارته في توظيف شخصية أيوب كقناع ورمز له دلالات متعددة في منظومة واحدة، فنرى أيوب الصابر على بلاء الجسد المتفق حقيقة مع معاناة الشاعر الجسدية، وأيوب الرمز الجديد للعربي الذي يأبى أن يستسلم وينهزم للعدوان على أرضه بل يأمل بغد مشرق تتفتح فيه الأبواب الموصدة و تعود فيه الأرض المغتصبة. الخاتمة قد استفاد الشاعر المعاصر من تقنية القناع للتعبير عن تجربة معاصرة دون أن يدان كما أن للقناع أثر فني يضيف للإبداع الأدبي الشيء الكثير، ولما كان شاذل طاقة من شعراء الحداثة ورائدًا في التجديد ظهرت هذه التقنية في شعره ومثال ذلك قناع أيوب في قصيدة هموم أيوب. |
المشاهدات 3532 تاريخ الإضافة 2019/04/02 آخر تحديث 2024/05/18 - 14:58 رقم المحتوى 110 |